ولأنك على الأرجح لا تقرأين رسائل الغرباء، اسمحي لي أن أعرّف بنفسي. اسمي .... وإسم والدى ....
أنا .... .... ، لاجئ فلسطيني من قرية بيت طيما، مقيم في مخيّم جباليا للاجئيين في شمال قطاع غزّة، وموجود حاليًا في مصر؛ للدراسة، ولأسباب أخرى كثيرة.
وبما أنني لم أعد غريبًا - ولو حتى نظريًا -، فاسمحي لي أن اتمنى ان تقرأي رسالتي إلى آخرها، فهي لم تعد مجرّد رسالة من شخص ما، لم تعد رسالةً غريبة.
سأبدأ من حيث يجب عليّ أن أبدأ، أي: من البداية
قد لا يخطر ببالك صباحًا وأنت تربطين منديلكِ أن منهاجكِ في ربطه سيكون سبب تعرّف شاب فلسطيني عليك، تعرّفه اللاسلكيّ عليكي، سبب وضعه بقعةً من الضوء حولكِ في مكان مليء بالوجوه التي لا ملامح لها، وبالعتمة، كالجامعة التي يرتادها كلانا.
ظننتك حين رأيتك أوّل مرة من بلاد النهرين، من العراق، السبب هو المنديل أيضًا، لكنّ اعتقادي بدأ يتراجع شيئًا فشيئًا، لاسيّما بعد ان اكتشفت أن دكتورة الكيمياء، ميساء، تربطه بنفس الطريقة، وليست عراقيّة!، وقد ثبت لي أنك "مصريّة " كما غنّت السيدة ماجدة الرومي حين سمعتك تتبادلين أطراف الحديث مع ... ، الحلقة المفقودة والتي بمعرفتك ايّاها اكون قد دشنت الصرح الاول في خطتي للترافع، الترافع دفاعًا عن نفسي من شبهة أن اكون معتوهًا، وشابًا على الموضة، والعياذ بالله
أنا متأكدٌ من أنك تحملين الكتاب اللامنهجيّ في يديكِ دائمًا، لسبب ما. لا أعرفه على وجه الدقّة، لكني أعرفه على وجه التخمين. ربما تستعيرينه على عجل فلا يجد الوقت في حضرتكِ ما يكفي من نفسه ليُشغل بأن تضعي الكتاب في الشّنطة، وربما تتميّز قراءتك بالتقطُّع، والمزاجية، ولذا تحملين الكتاب خارجًا كي لا تتكبدي عناء المضيٍّ بحثًا في مكان معقّد، وكثيف، كالشنطة التي تحملينها على كتفك. أيّا كان السبب، فأنا رأيتكِ بعد المرّة الأولى تحملين عزازيل، الرواية التي قرأتها على نفس واحد، ودفعة واحدة، هيبا، وهيباتيا، واوكتافيا والقدّيس وبابا الاسكندريّة والصومعة وجائزة الرواية العربيّة، أُعجبت جدًا بقامتكِ وانت تحملين كتابًا كعزازيل، في مكان لا أظنّ طلابه، أو على الأقل أغلبيتهم، يقرأون منهجهم كي يتطرقوا إلى قراءة خارجيّة.
كيف عرفت أن اسمكِ نيلّي ؟
بالصدفة، كما رأيت بالصدفة، وعرفت أنك تقرأين عزازيل بالصدفة، عرفت اسمكِ بالصدفة. لكن الجواب على السؤال الآنف تحديدًا، يتشاركها مع الصدفة "الفيس بوك"، نعم الفيس بوك، فأنا أدخل بشكل شبه منتظم ملفات بعض الأصدقاء والأشخاص الذي احرص على متابعتهم، ومنهم ... ، فكان أن وجدت تعليقًا من فتاة تدعى نيلّي، تتحدث فيه عن أمر لا أتذكره تمامًا، وتشير إلى أنها ترغب بالعودة إلى قراءتها عزازيل، فجمعت الصورة كما كنت أفعل طفلاً في ألعاب التركيب، وعرفت أنّك الصديقة التي كانت تتحدث معه قبالتي، وأنّك الفتاة التي تحمل عزازيل، وأنّ اسمك نيلّي، وهذا هو الصرح الثاني في مرافعتي، أنا لم اعرف اسمك بأساليب ملتوية، عرفته بالصدفة، ولا أرى نفسي مذنبًا في هذه النقطة على الاطلاق.
أعترف، وفي اعترافي من الندم ما فيه، أنّ الأسلوب والمكان اللذان اخترتهما للتقدم نحوكِ والتحدث، كانا غير ملائمين. وكأنّ الدنيا قد تآمرت عليّ، و رتّبت نفسها لأبدو غبيًا، سخيفًا، بلا أدنى ثقة في النفس، وكلّها أمور كم اجتهدت في درء شبهتها عنّي. ربما انصدمت لأنني ناديتكِ باسمك، كيف عرف اسمي ؟ من يكون هذا المعتوه ؟ وماذا يريد ؟ ربما كانت تدور هذه الاسئلة وغيرها في ذهنكِ، دون أن اسمعها انا بأذني، لكنّي سمعتها، بعقلي. جئت من مكان كان يملؤه الضحك، ولربما كان ذلك علّة اعتقادك ان حديثي معك كان رهانًا، وجئت وانتِ تفرغين من طعامك، ولربما كان ذلك علة اعتقادك بأنني لا أملك من الذوق إلا قليله، وربما وربما وربما، لكنّ الأكيد، واليقينيّ، أنني لم أكذب أبدًا، أعرف أنني كنت أتحدث بلهجة فلسطينيّة بحتة، وبصوت شبه مبحوح، لكنّي لم أكذب، كان ولا يزال الحديث إليك أصعب بالنسبة لي من الهجوم على دبابة في غزّة، إن هي تجرّأت ودخلتها.
كررت في ذهني ما قلته مرّاتٍ عديدة، لم اعرّف بنفسي، سألتكِ عن عزازيل فلم تجيبي، عرفت أنّك تقرأين رايت رام الله، وسمعت صوتكِ للمرة الأولى، حتى وان كان الكلام الذي أفرزه كلامًا صعبًا عليّ، وسؤالاً أصعب : ممكن تمشي ؟، وكان ممكنًا طبعًا، فمشيت، لكن - ودعيني هنا أكون صريحا - ثمّة قطعة مني، قطعة لا بأس بها، قد تسمّرت في ذلك المكان، تجذّرت فيه، ما أسهل أن يتجذر الفلسطيني، أشجار من الزيتون لها أصابع وتمشي، وتتجذّر، شاب يداه في جيبه، وقلبه في صدره، وظلّه وارف.
ربما يجدر بي أن لا أكتب شيئًا، أن أحترم رغبتك احتراماً افلاطونيًا وأنزع نفسي من حياتكِ - انْ كنت موجودًا فيها أساساً - مرّة وإلى الأبد، وربما يجدر بي أن أكتب، ولكن أن أتريّث قليلاً، وربما كان يجدر بي أن أكتب فورًا، لأمنع فكرتي من أن تتخمّر، وتنتفخ، وتنسين وجهي وقصّتي، وأظلّ معتوهًا غريبًا طلبت منه أن يرحل
المؤكّد أنني طلبت منك في ناصية الرسالة أن تقرأيها إلى آخرها، وان فعلتِ فها انت قد وصلتِ الى الخاتمة، الخاتمةُ التي لا غرض لها إلا أن تشير إلى أن كتابتي الرسالة هدفها الرئيسي هو أن أعرِّف بنفسي، وأن أعتذر، وأن أوضح بعض الأمور، من حقّي على نفسي أن أفعل، وها أنا قد فعلت. لا أطلب منكِ شيئًا أبدًا، ولن أكون مصدر ازعاجٍ في حياتك على الاطلاق، لا أطالب حتّى بأن تكوني متحليّة بآداب التراسل وتكتبي لي ردًا على هذه الرسالة، ذكرت أهداف الرسالة وأهدافي، وأتمنّى لا أن تكون قد انتهت إلى عارضة المرمى.
نيلّي، هل تسمحين لي ان أناديكِ باسمكِ، ؟
لقد انهيتِ رأيت رام الله على الاغلب، جميلة أليس كذلك ؟ أنا أيضًا قرأتها وأحببتها، ولكِ عندي سؤال حولها. حين جاء مريد إلى القاهرة كي يدرس في جامعتها العريقة، هل تظنين أنّه كان يعرف رضوى ؟، هل تظنين أنّ جدته كانت لتمازحه حول حبّه لمصر ؟، ربما نعم، ربما لا، لا تجيبي، فكّري في السؤال فحسب.
عطلة نهاية أسبوع سعيدة، وأعتذر مرّة أخرى، عنّي، وعن قصتي، وكتابتي، ورسالتي، ووجودي
________________________
* على الهامِش : تلك الرسالة حقيقة
.. إسلوبها الأدبى أعجبنى كثيرا
أحببت أن أشارك بها الكون حتى لا تكون شيئًا مميزا أحتفظ به لذاتى
هى فقط جميلة فى كونها رسالة لا بقية لها ولا حياة ..
محوت الأسماء حتى يظل غموضها جميلا بلا دنس الـ عِلمِ بالتفاصيل
فلتنل منها نظرات أعينكم وتمضغها عقولكم جيدا .. هى رسالة جميلة فى مكنونها وفكرتها وفقط ..
وقد رأيت أنها تستحق النشر
و بما أن راسلها تخلّى عنها وأعطانى إياها .. فهى مِلكى
و ها أنا أنتقى اليوم .. أى بعد ما يزيد عن الـ عامٍ على تسلُّمى إياها .. لأنشرها
حررتهاالآن لكى لا أحمل بها ذنبا لا رغبة لى به
ولكى تتنفس إعجاب غيرى كذلك فـ لا تُظلّم ..
ولكى تكون .. فـ لا تكون !
الحاله حلوه اوى
ردحذفالواد دا عبقرى بجد واسلوبه ساحر
بس العبقرى الاكتر الحاله نفسها
بنوته زى القمر متقدرش تمسك نفسك الا انك تقف ادامها وبعدين تكتب لها حتى لو كان كل دا ملوش اى غرض الا انك - تخطر ببالها فقط :)
انبهرت انبهرت برسالته بجد اسلوبه واضح وصريح وهادى جدا هدؤ جميل بجد وعجبنى اكتر طريقة ردك الراقية عليه
ردحذفالرسالة دي عيشتني في حالة حلوة أوي ^_^
ردحذفحلوة جداً الاسلوب رائع !
ردحذفلان اقول اعجبتني بل سأقول انها اخذتني مني اليها لأراها امام عيني ...لاعيش تفاصيلها ...واشم رائحة الرحم المصري الفلسطيني ...
ردحذف:)
ردحذف