قالت في نفسها : " لم أشعر من قبل بهذا القدر من التيه"
أغلقت الستائر .. التي لم تقي من أشعة الشمس شيئا، فقط أشعرتها بعض الشيء أنها بمنآى عن العالم.
الصمت يخيم تماما .. تكاد تسمع نبضات قلبها .. وصوت الأشياء حولها تتنفس وتتململ في سكونها.
قالت في نفسها : " لم أشعر من قبل بهذا القدر من التيه" .. تنام على الأرض كقطعة قماش سقطت سهوا على الأرض.
تشعر بأنها تزن أطنانًا وأطنانًا وأن الكون تحتها يتشقق يوشك أن يبتلعها في بئرٍ من السواد والبرد.
عيناها مُعلّقة في سقف الغرفة، والجدران تدور في حلقة لا تنتهي.
تسقط برأسها عن وجه الوقت والساعات، تسقط وتدور وتدور وتُحملِق في العدم.
أنفاسها تتلاهث كلما اقتربت من السطح البارد ..
سطح ذاك اللاشيء الداكن الذي يبتلعها، والذي تُقبِل عليه بذراعين مفتوحين أن "هيت لك".
أنفاسها تخلق ضبابا أبيض بارِد، ويُغشّي الظلام وجودها شيئا فشيئا.
تنساب على موجه الهواء الذي يلفها، وفي استسلام تطلح سراح جفنيها لينغلقان رويدا رويدا.
وينتاب أطرافها الخدر.. ممتدا لباقي جسدها البارد المتهاوٍ.
"إنهضي عن الأرض!"
تتسع حدقتا عينيها، تعود الجدران لتتراصّ في أماكنها، تتوقف الغرفة عن الدوار، ويهدأ الهواء ودوامته.
تقوم مُتفاجئة وتعتدل في جلسة منتصبة، وسرعة قيامها عن إستلقائتها وعن الظلام الذي كاد أن يُطبِق، أشعرتاها بدوارٍ على الدوار.
"ما هذا الصوت" .. تقول في نفسها.
ترتاب من صحة إدراكها، فهي للتو عادت عن حافةٍ لم يسبق أن اقتربت منها بهذا الحد.
تحملق في أثاث غرفتها، في السقف والجدران، في يديها، تغمض عيناها وتفتحها عدة مرات.
ما كان هذا الصوت ؟! .. تُفكِّر أنه لربما تخيلته من فرط هيمها في ترهات عقلها.
تهدأ بعض الشيء.. وتستحضر استرخائها الداكن
فتفترش الأرض مرة أخرى وتفرد ذراعيها.
قالت في نفسها : " لم أشعر من قبل بهذا القدر من التيه"
.. ممـ ..
لا شيء.
لا دوار ..
لا انغماس في ظُلمةٍ بارِدة ..
لا يبلتع الخدر جسدها بدءًا من أطرافها
.. لاشيء!
"تبا"
تقول في عصبية بالغة بعد أن فتحت عينيها في حنق
وقبل أن تهمّ بالنهوض
تخرج ذراعان من تحتها !
ويطبقان على أنفاسها!
لا تعي ما يحدث
بصرخة مكتومة تتسع حدقتا عينيها رعبا
وتمد يديها علها تتشبث بأي شيء من الهواء حولها
تجذبها الذراعان لأسفلتنقطع الصرخة
وتغرق في عمق الأرض!
تختفي.
سكون يلف الغرفة .. يبقيها على حالها
يداعب الستائر شيء من ريح
وتجمد الجدران تماما وتبتلع ما رأته.
"يتبع"