26‏/11‏/2011

ثوّار من نوع أخر .. !



غالباً ما يلحّون على بأكياس المناديل .. أو يستعطفون حافظة أموالى بأنهم لم يأكلوا منذ البارحة !
أطفال .. ولكنهم لم يولدوا بأظافر ناعمة ..
بل بأظافر ملطخة بالسواد .. حادة .. ينتزعون بها بعض اللُقيّمات والقروش .. ليسِّدُّوا رمقهم الذى إعتادوه ..
وليتحاشوا سيدهم القاسى وعصاه الأقسى .. إذا ما عادوا فارغى الأيدى!

غالباً ما إزدريت المُلِّحين منهم .. الذين إنتشروا فى الأحياء العامرة الراقية قبل الفقيرة .. !

خطأ مجتمع ! هكذا إعتدت أن اراهم .. !
وقد دفنت تعريف الطفولة تحت أطنان من الملابس الرثّة وعلب المناديل والورد البلدى !

نسيت لتكرار وجوههم أن أمثالهم يُفتَرَض أن ينالوا فى هذا العُمر .. من الرعاية والحنان واللَعِب .. الكثير !
_____

منذ يومان تقريباً .. كنت أتجول فى ميدان التحرير
_ كونى فتاة من أُسرة لا تعترف بوجود فتيات فى مثل تلك الأحداث !_  أتاح لى سرقة بضع ساعات فقط أنال فيها من بركة التحرير ولو قليل !
كانت الأحداث قد هدأت كثيراً .. وبَرُدت رائحة الرصاص والدمّ من الهواء !

رأيت الكثير منهم هناك.. !
" أخطاء مجتمع "..
ولكنّى لم ألحظ أى مناديل أو ورود بإيديهم .. ! حتى إننى لم أراها ممدودة كعادة الصورة .. !

صادف أن مرّ أحدهم بجانبى .. على وجهه إمارات السعادة !
وملطخ بصورة ملفتة للنظر .. برماد ابيض !

لم أستوعب ماهية هذا الرماد على وجهه.. ظننته لعب بالجير أو ماشابه مع أصدقائه !

تكرر المشهد عدة مرات .. أطفال الشوارع.. ملطخين برماد ابيض !

علامات الإستفهام والتعجب كادت تودى برصانتى .. !
فسعيت لأتكلم مع أحدهم ..
"قُلِبَت الأية .. أليس كذلك ؟"
إستوقفت أحدهم اخيراً .. وسألته : "إيه اللى على وجهك دة ؟"

فردّ متفاخراً بملء حنجرته : " دة من قنابل الغاز" !
" بنجرى ونحدفه على الشرطة تانى أول مايضربوه علينا " !!

لم أقو على النطق ! .. فقط إرتسمت إبتسامة بلهاء على وجهى !
هذا الصغير الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره .. يشارك فعلاً فى ثورتنا !
نحن الشعب الذى لطالما إزدراه وتجاهَلُه !

ملابسه ممزقة خفيفة رغم الشتاء .. وقدماه عارية .. ووجه ملطخ بالسواد والبياض على حد سواء !
يتصدى لغشامة قنابل الغاز المسيّل للدموع بجرأة لا نظير لها .. !

هل يعى هذا الصغير ما يفعله هنا ؟؟ .. شعرت بأنه واعٍ لمضمون الأمر أكثر منى لحظتها .. !
فهو ينتقم لما أصابه ويصيبه .. بهذه المشاركة التى قد تبدو لاهية لا غرض منها من طفلٍ صغير مثله !

وسط ذهولى .. طلبت أن ألتقط صورته ! ولأشدّ ما سَعُد لطلبى هذا
فعدّل من وقفته .. رافعاً يده بعلامة النصر .. وإبتسامة الفخر والبرائة ترفرف منه لعنان السماء !

رحلت يومها من الميدان .. مملوءة بالعزة والفخر .. رغم أنى لم أقابل أحداً من الثوّار الذين إعتدت رؤيتهم على القنوات وفى الصحف !
.. فقد  قابلت ثوارً من نوع أخر .. !
أطفال .. ! إعتدت ان أقابلهم كثيراً دون أن أراهم فعلاً قبل ذلك اليوم .. !

مرددة لبعض الأدعية والصور القرأنية .. عسى الله يحفظه ويحفظ أمثاله .. شعرت بمسئولية تجاه هذا الصبى .. !
رحلت مملوءة  بقلق و خوف .. و أخذتُ معى صورة لن تُمحى من ذاكرتى أبداً .. و فكرةً جديدة تتردد فى رأسى

أخ جديد لى .. ! مدعاة للفخر .. لا الإزدراء !

هناك تعليقان (2):

  1. فعلا هم ثوار من نوع آخر .. ربنا يصلح الحال يارب وتكون الثورة بداية لإصلاح ما أفسده النظام السابق

    ردحذف
  2. امين يارب
    هناك الكثيــــــــر ليتم إصلاحه !
    الله المستعان

    ردحذف

همسًا حدِّثُني ..